كلاب الحارة

الكلاب.. كائنات جميلة أراها تتمشى في حارتنا، كلاب نظيفة متأنقة تختال إلى جوار صاحبها في شوارع الحارة المليئة بالحفر والخلطات الإسفلتية المتواضعة والتي تجعل من عبور أي منها راجلاً أو
راكباً أمراً مرهوناً باحترافك وقدرة ذاكرتك على إدراك العوائق الكثيرة أمامك، إضافة إلى الأرصفة العشوائية – إن وجدت أصلاً – ومتاهات الأزقة الفرعية والسيارات الكثيرة.

رغم عوائق شوارعنا، تجد كلاب حارتنا المتعة في جولتها، خاصة في الأجواء الدافئة، فتجدها هنا وهناك، تمشي وتنبح، تراقب القاصي والداني، تمر بين السكان والسيارات وتواكب مسير صاحبها أينما ذهب.

هناك كلاب من نوع آخر في حارتنا، باهتة اللون متسخة، ترى في عينيها ألماً ما وحسرة، وأحياناً شراً وغضباً، في العادة تختبئ خلف سور أو مبنى أو صخرة في إحدى الساحات، تتربص بك، وما أن تكون وحدك حتى تدركك بسرعة هائلة، تأتي في مجموعات، تعرف أن في الوحدة قوة تستطيع من خلالها التغلب على فريستها، ورغم أن حارتنا مليئة بالقطط المتخمة بكرم الجيران إلا أنها تفضّل الإنسان.

لا أدري حقاً ما الذي يغريها فينا، أم أنه مجرد انتقام على خطأ ارتكبناه بحقها في وقت ما ونسيناه، لكن الأمر بالنسبة إليها حياة أو موت، لا يهم إن كنت سيدة نحيلة كبيرة في العمر، أو طفلاً غضاً، أو رجلاً في ذروة الفتوة، فهي قادرة على إرعابك بالحد الأدنى، والنيل منك في آخر المطاف.

بالطبع، وبحسب ما أذكره من القوانين – حتى لو كنت تملك سلاحاً – أنت لا تستطيع فعل شيء في حال أدى بك حظك العاثر إلى مواجهة هذا النوع من الكلاب سوى الإدعاء بالقوة ومحاولة إخفاء خوفك، لكنها بحكم فطرتها وخبرتها في أحوال البشر ترى ذلك الرعب في عينيك، فتبدأ هجومها، وهنا لن تجد مناصاً سوى الركض إلى ملجأ ما قد يكون أو لا يكون متاحاً حينها.

في الآونة الأخيرة، أصبح من الممكن أن تجد نفسك في هذا الموقف بكل سهولة، في حارتك، في السوق، وربما أمام المدخل الرئيسي لمستشفى كما في مقطع مصور شاهدته مؤخراً!
إن استطعت تجاوز الحفر وما يسمى اعتباطياً شوارع والمتاهات والكلاب الأليفة والأرصفة البالية – إن وجدت – وقادك حظك العاثر إلى مواجهة مع الكلاب التي توصف عادة بالضالة، ماذا ستفعل؟ قد يجازف بك “أدرينالينك” المرتفع إلى مواجهة قد تخرج منها خاسراً لأحد أعضائك أو مشوهاً على الأقل، أو تحاول الهرب إلى المجهول لعل وعسى أن يحالفك الحظ رغم الشك حيال ذلك، فلو كان حظك جيداً لما كنت في هذا الموقف، أو ربما قد تحاول استعطاف هذا الضال ليعتقك، رغم أن نسبة نجاحك في هدايته غالباً ضعيفة.

هذه الخيارات المتاحة لك حالياً لمواجهة كلاب الحارة الضالة التي ربما تعاني من غيرة قاتلة من تلك الكلاب الفاتنة الأنيقة التي تظن أن الحارة ملك لها، في ظل قوانين تمنعك من الاعتداء عليها أو قتلها وتحمي حياتها على حساب حياتك أنت، أنت المواطن دافع الضرائب، الذي أصبحت إحدى أمانيه هذه الأيام أن يمشي في شوارع حارته بأمان، وألا يتعثر بإحدى الحفر أو يواجه كلباً ضالاً!

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع